/ الْفَائِدَةُ : (6) /
10/03/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الفارق بين عنوان (الإِكمال) وعنوان (الإِتمام) / يوجد هناك اِهْتِمَامُ من قِبَل المدارس البشريَّة بالوصايا الدينيَّة والشرعيَّة الواردة في دين وشريعة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ بغضّ النَّظر عن مسألة الإِيمان بالآخرة. والنُّكْتَة: أَنَّ تشريعات وحي السَّمآء تغدق على مَنْ يتمسَّك ويعمل بها رَغَد ورَغَيد العيش. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي، منها: بيان قوله جلَّ وعلا: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا](1). بتقريب: أَنَّ هناك فارقاً جوهريّاً وأَسراراً عقائديَّة وقانونيَّة عجيبة وعظيمة جِدّاً بين معنىٰ وحقيقة عنوان: (الإِكمال) ، ومعنىٰ وحقيقة عنوان: (الإِتمام)، حاصله: أَنَّ عنوان وكلمة: (الإِكمال) تُطلق لغة ويُراد منها: خروج الشيء من طَوْرٍ نوعيٍّ وماهويٍّ إِلى طَوْرٍ نوعيٍّ وماهويٍّ آخر؛ فيخرج الشيء من ماهيَّةٍ وحقيقةٍ ونوعٍ ويدخل في ماهيَّةٍ وحقيقةٍ أُخرىٰ ونوعٍ آخر. بخلاف عنوان وكلمة: (الإِتمام)؛ فإِنَّه لا يحكي عن تَغَيُّر ماهيَّة وحقيقة ونوع الشيء. مثال الإِكمال: تأليف الكُلِّي الطَّبيعي من أَجزائه، فحقيقة (الماء) ـ مثلاً ـ عبارة عن اِتِّحاد غَازَين، أَحدهما (الهيدروجين) والآخر (الأُكسجين)، فإِذا اَتَّحدا وانضمّ أَحدهما إِلى الآخر خرجت ماهيَّتهما وحقيقتيهما من طَوْرِ وحقيقة الغازيَّة إِلى طَوْرِ وحقيقة الماء. مثال آخر للإِكمال: مراحل تكوين الجنين الُمشار إِليها في بيان قوله جلَّ ثناؤه: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْـخَالِقِينَ](2)؛ فإِنَّها تُخرج الجنين من ماهيَّةٍ وحقيقةٍ وطَوْرٍ نوعيٍّ وماهويٍّ إِلى ماهيَّةٍ وحقيقةٍ وطَوْرٍ نوعيٍّ وماهويٍّ آخر، فتخرج الجنين من ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ سلالة الطين وتدخله في ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ النطفة، ثُمَّ تخرجه من ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ النطفة وتُدخله في ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ العلقة، ثُمَّ تخرجه من ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ العلقة وتُدخله في ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ المضغة، ثُمَّ تخرجه من ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ المضغة وتدخله في ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ العظام واللحم، ثُمَّ تخرجه من ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ العظام واللحم وتدخله في ماهيَّة وحقيقة وطَوْرِ الإِنسانيَّة. مثال الإِتمام: تأليف الكُلّ من أَجزائه؛ كالجدار، فإِنَّه مُؤَلَّفٌ من لَبِنَات وأَحْجَارٍ، وانضمام بعضها إِلى الآخر لا يُغيِّر ماهيَّة السَّابق وحقيقته وطَوْره النَّوعي، نعم بانضمام بعضها إِلى الآخر يتكوَّن الجدار. ومنه يتَّضح: عدم صحَّة التَّعبير عن إِتمام البناء بـ: (إِكمال البناء)، والصَّحيح: أَنْ يُعبَّر عنه بـ: (إِتمام البناء)، وكذا لا يصحُّ التَّعبير عن مراحل تكوين الجنين بـ: (إِتمام الجنين)، والصَّحيح: أَنْ يُعبَّر عنها بـ: (إِكمال الجنين). ومن كُلِّ هذا يتَّضح: بيان الآية الكريمة المُتقدِّم في صدر البحث، الوارد بعد تبليغ بيعة الغدير والإِصحار على رؤوس الأَشهاد بولاية أَمير المؤمنين وسائر أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فولايتهم عليهم السلام ليست إِتمام الدِّين، بل إِكمال له وخروجه من طَوْرِ النُّطفة والإِسلام الظَّاهري إِلى طَوْرِ الإِيمان والإِسلام الواقعي، وهو طَوْرٌ ونوع آخر وماهيَّة وحقيقة أُخرىٰ. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي الأُخرىٰ، منها: بيان قوله جلَّت آلاؤه: [قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ](3). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المائدة: 3. (2) المؤمنون: 12ـ 14. (3) الحجرات: 14